ثقافة الانتحار


كنت قد تحدثت آنفا في إحدى المقالات منذ فترة ليست بالقليلة عن ثقافة الاعتذار ولا شك أن الكاتب يتأثر بما يدور حلوه من أحداث ومواقف ويظهر ذلك التأثر جليا في كتاباته وعلى اعتبار أنني كاتبا قد عشت وقت كتابتي لتلك المقالة أحداث ومواقف تحثني على أن ابادر بالاعتذار لمن اخطأت في حقهم وأن أحث جميع من حولي على تبني ثقافة الاعتذار كي تستمر حياتنا دون أن يشوبها أي كره أو ضغينة.
واليوم أجدني أطالع العديد من حالات الانتحار وأتعمق في أسبابها ودوافعها وما هي المحاولات التي نجحت وأسباب نجاحها وما تلك التي فشلت وما أدى إلى فشلها.
في البداية تصورت أنها لا تعدو كونها طرفة من أحد رواد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ذلك العالم الافتراضي الذي أصبح يتحكم في عالمنا الواقعي بشكل يدعو الى القلق والترقب, فقد ساقني قدري لأن أطالع صفحة أحدهم ووجدته يتحدث عن رغبته في الانتحار بسبب ضجره ويأسه وفقدان امله في ينصلح الحال عنها وقررت أن أتابع تعليقاتهم التي تسانده في محنته وتأخذ بيده لكي يصبر ويتريس ويتقرب من الله لكن الصدمة كانت في تعليقاتهم فوجدت أحدهم يشجعه على فعل ذل ويذكر محاولاته في الانتحار التي بائت بالفشل, وآخر يذكره بمأساته في محاولة منه لنشر طاقة سلبية لكسب مزيد من التعاطف وأخر يشرح له أفضل الطرق الصالحة للانتحار دون أن يشعر به أحد لكن الطامة الكبرى هو تلك التعليق المصحوب برابط لواحد من أتعس الفيديوهات التي طالعتها على الاطلاق.
فالفيديو يتضمن شرحا لشخص قام بالانتحار منذ أيام فوجدتني أنساق الى تلك الصفحة التي نشرت الفيديو وما هي الا دقائق معدودة تصفحت فيها تلك الحساب حتى شعرت وكأنني أزور مكان حرب إبادة جماعية أو مجزرة انسانية ووجتني أشتم رائحة الموت في كل مكان وأرى وكأن أشلاء جثثٍ قد تناثرت على جانبي الصفحة وطالعت وجوها شاحبة وقلوباً متحجرة لا تعرف عن الحياة شئ.
فغادرت الصفحة مسرعا محاولا اشغال نفسي في عمل آخر قد يكون السبيل لالتقاط أنفاسي وما لبثت دقائق معدودة حتى قادني فضولي الصحفي لمعرف المزيد عن ذلك العالم فدخلت مرة أخرى ووجدت العديد من الشروحات والتوصيات لمن لديهم نية الانتحار ومزيد من التعليقات المصحوبة بروابط لمجموعات تستقطب من يمتلكون ميولا انتحارية البعض منها يعمل على الدعم النفسي والمساندة حتى يقلع صاحبها عنها لأمل المجموعات الاخرى فكانت تعمل على تهيئة بيئة مناسبة لسرد قصص وتجارب الانتحار الفاشلة, ربما ليتعلم منها أحدهم بينما انتشر كثير من المقالات منها المؤيد, ومنها المعارض.
فالبعض كان يمجد المنتحرين والآخر كان يلعنهم والبقية يسعون للتنفيذ والاستفادة من خبرات الاخرين التي ساعد "فيسبوك" في أن تصبح متاحة ومعروضة لجميع الراغبين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

​أكتوبر في عيون الغرب

محمود الجندي «الممثل» الذى رسمت «الدراما» محطات حياته