حمدي شعبان كتب.. عبد السلام النابلسى.. أضحك الجميع ومات باكيا
وُلد عبد السلام النابلسي عام 1899م في شمال طرابلس بلبنان على الحدود السورية، وكانت أسرته تتوارث المناصب الدينية، إذ كان جده لوالده شيخاً للإسلام وله مؤلفات في الفقه والدين. سافر النابلسي إلى فلسطين عندما عُين والده قاضيا لمدينة نابلس، وكان الأخير يحرص على أن يُعِدَّ ابنه ليكون عالم دين مثله،فقد كان يحفظ القرآن الكريم، كما كان يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وعندما بلغ العشرين من عمره أرسله أبوه إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر الشريف.
نداهة الفن
غير أن أحلام الفتى عبد السلام كانت كلها تتجه إلى الفن ولا شىء غيره، وكان شغفه وحلمه الكبير هو الوقوف على خشبة المسرح، فالتحق بفرقة جورج أبيض وعزيز عيد، وعندما علمت أسرته بدخوله مجال الفن منعت عنه الدعم المالي، فاعتمد على التمثيل لتوفير نفقاته وانضم إلى «فرقة رمسيس»، إلا أن يوسف وهبي طرده بعد أقل من شهرين لعدم حفظه الحوار وخروجه على النص بكلمات وجمل غريبة، ما اضطره إلى ترك المسرح ليخوض تجربة العمل الصحفي حيث عمل ناقدا فنيا؛ في أكثر من مجلة مثل: (مصر الجديدة والصباح)، وخلال عمله بالصحافة التقى المخرج أحمد جلال الذي قدمه إلى الفنانة آسيا فأسندت إليه دور الشرير في فيلم «وخز الضمير»، وحقق نجاحاً دفع المنتجين إلى التهافت عليه، ثم عمل مع إبراهيم وبدر لاما كمساعد مخرج.
تقول أمل فؤاد في كتابها «الضاحكون الباكون»: «طرق النابلسي أبواب المسارح والأستوديوهات، وكان يتعذب وهو بعيد عن نور الشهرة. وعندما اقترب منها كانت نارا أججت في جوانحه هوس الفنّ فحلق فيه لقمم عالية»
لم يكتف «النابلسي» بكونه ممثلا ناجحا، بل اتجه أيضًا إلى الإخراج وعمل مساعد مخرج خاصة مع الفنان يوسف وهبي بعد أن اقتنع أخيرا بموهبته فى التمثيل والفن بشكل عام، إلا أنه في عام 1947 تفرغ مرة أخرى للتمثيل بعد أن بدأ المخرجون يطلبونه بكثرة في الأفلام الكوميدية التي طالما تألق بها.
وتعد بداية عبد السلام النابلسى الحقيقية مع السينما في فيلم «العزيمة» عام 1939عندما أسند إليه المخرج كمال سليم دور الشاب الارستقراطي العابث، فلفت إليه الأنظار وراح المخرجون يسندون إليه هذه الأدوار إلى أن تمرّد عليها واخترع لنفسه شخصية المتحذلق خفيف الدم ولمع فيها.
السنيد
استطاع «النابلسي» أن يجد لنفسه مكانا في ذاكرة جمهور السينما المصرية والعربية، وعلى الرغم من أدائه للأدوار الثانية، إلا أن وجوده دائما كان يصنع الفارق في كل الأعمال التي قدمها ووصولا إلى فيلمه الأخير أهلا بالحب الذي عرض في عام وفاته.
كان النابلسي سنيداً لأبطال كبار، حيث قدم مع عبد الحليم حافظ خمسة أفلام بدأت بفيلم «ليالي الحب» وانتهت بفيلم «يوم من عمري» (1961)، كذلك شارك في أفلام فريد الأطرش مثل: «لحن حبي» و«عفريتة هانم»
وعن ذلك تقول أمل فؤاد: «بالرغم من أن شخصية البطل الثاني كانت السبب الأساسي في نجاح النابلسى إلا أنها كانت أيضا السبب في حبسه في تلك الأدوار، والمصادرة على إمكاناته وقدراته الفنية».
وقد شكل النابلسي مع الراحل إسماعيل ياسين ثنائياً في أفلام عديدة كان أبرزها: «اسماعيل ياسين بوليس حربي»، قبل أن يتجه إلى الإنتاج في فيلم «حلاق السيدات»، فكان أول وآخر فيلم ينتجه، إذ فشل فشلا ذريعاً، وطالبته مصلحة الضرائب بدفع مبلغ 21 ألف جنيه فوراً، ولم يستطع النابلسي دفعها، ما أدى إلى تراكم الفوائد عليه ووصلت إلى 65 ألف جنيه،
زواج وإفلاس ورحيل
هرب عبد السلام النابلسى من مصر بسبب قضيته مع مصلحة الضرائب، ووضع كل ما تبقى له من أموال داخل دمية دب كبير لسمر ابنة صديقه الفنان محمد سلمان وزوجته نجاح سلام.وفعلا نجح النابلسى فى تهريب ما تبقى له من ثروة من مصر الى لبنان التى رحل اليها فى صيف عام 1963.
وبعد عجزه عن تسديد الضرائب، ورفض مصلحة الضرائب تخفيضها، حتى بعد تدخل نجوم كبار مثل أم كلثوم، ساءت حالته النفسية والصحية، فأصيب بمرض في المعدة، تسبب في نقص وزنه، وتدهور حياته،و فيما كان النابلسي يبحث عن حل لأزمته مع مصلحة الضرائب تلقى مكالمة هاتفية من صديقه محمد سلمان يطلب منه السفر إلى بيروت لتصوير فيلم من إخراجه، فسافر على الفور ولدى وصوله نصحه سلمان بالبقاء في بيروت حتى لا يتعرض للسجن في مصر بسبب الضرائب، فاستقر في لبنان وتزوج، بعد أن تجاوز الستين من عمره، بعدما كان يطلق عليه لقب أشهر عازب في الوسط الفني، من جورجيت وهي لبنانية كانت مسيحية و أشهرت إسلامها لأجله، وتم الزواج في السر في منزل الملحن اللبناني فيلمون وهبي، لأن عائلة جورجيت رفضته ، وعندما علمت بالزواج طالبته أن يطلّق ابنتها، وعندما رفض أقامت ضده دعوى قضائية للتفريق بين الزوجين، لكن المحكمة حكمت بصحة الزواج.وتلاحقت الأحداث سريعًا في الأشهر الأخيرة فى حياة النابلسي، خصوصا بعد أن أعلن بنك انترا في بيروت إفلاسه، وكان هذا معناه إفلاس النابلسي هو الآخر لأنه كان يضع كل أمواله في هذا البنك.
عبد السلام النابلسي وزوجته
أخذت حالة النابلسى الصحية تزداد سوءًا إلى أن امتنع عن الطعام تمامًا قبل أيام من رحيله، وفي ليلة 5 يوليو 1968، لفظ أنفاسه قبل وصوله إلى المستشفى ،ولم تجد زوجته مصاريف الجنازة، فتولى صديقه الفنان فريد الأطرش دفع تكاليف الجنازة.
وعلى الرغم من مرور اثنين وخمسين عاما على رحيل النابلسي، إلا أن أدواره ما زالت خالدة في ذاكرة السينما وجمهورها، وكذلك جمله وإفيهاته التى يتداولها حاليا رواد مواقع التواصل الاجتماعي مثل «ناس لها حظ وناس لها ترتر، وإفرجها يا كريم، وإبسطها يا باسط، ويا أيتها السماء صُبي غضبك على الأغبياء».
فريد الأطرش وعبد السلام النابسي
تم نشر هذا الموضوع بموقع أصوات أونلاين بتاريخ 5 يوليو 2020
تعليقات
إرسال تعليق