القهوة.. «عذراء الصباح» تفتن العالم
يحتفل العالم سنويا في مثل هذه الأيام باليوم العالمي للقهوة، ذلك الشراب الأثير لدى الملايين من مختلف الأعمار وفي شتى أنحاء العالم.
طالما تغنى الكثيرون بذلك الشراب الساحر، وأطلقوا عليه العديد من الأوصاف، فهو نكهة الماضي والحاضر، ورفيق الصباح والمساء، سيد الموائد والمنتديات، رفيق الصمت والكلام، أنيس ليالي السمر الطوال، يحلو معه الحديث وتتجمل اللقاءات.
من منا لم يقع في عشق تلك الحبوب السمراء المُرة، وهي تُغلى على نار هادئة، لتعطر برائحتها الفريدة مزاج شاربها، وتضفي نشاطاً على جسده الواهن. ومنذ أن اكتشف راعي أثيوبي حبوب القهوة صدفة قبل نحو ألف عام، ولاحظ مفعولها السحري عندما أقبلت عليها خراف كان يرعاها، ثم قرر أن يتذوقها ودُهش بمفعولها على بدنه وذهنه، اجتاح ذلك الشراب السحري العالم رويداً رويداً، وبات طقسا يوميا لا يستغنى عنه. ووفقا لإحصاءات أخيرة، تستهلك شعوب العالم سنويا ما يزيد على 400 مليار فنجان قهوة.
رحلة التحريم والإباحة
العرب من أوائل الشعوب التي عرفت القهوة، عندما نقل تجار عرب حبوب البن إلى الجزيرة العربية في القرن الثالث، وبعدها تم زراعتها لأول مرة في اليمن. في بادئ الأمر ثار جدل واسع بين أهل اليمن عندما تناولوا القهوة ورأوا تأثيرها، وانطلقت دعوات من بعض الأئمة هناك تدعو إلى تحريمها، إلى أن جاء الإمام جمال الدين الذبحاني وأجازها، بل وكان يشربها لتعينه على الذكر في قيام الليل.
بعدها جلب طلبة العلم اليمنيون في جامعة الأزهر حبوب البن معهم إلى مصر، لتعينهم على مغالبة النعاس أثناء الدراسة، ولما وصل الخبر إلى مشايخ الأزهر ولاحظوا أثرها المنشط على الجسم حرّموها أيضاً في البداية، واعتبروها من المسكرات التي تقلل من هيبة العالِم، على عكس جماعة الصوفيين الذين اتخذوها بديلاً عن المسكرات فيما بعد.
وعند وصولها إلى الحجاز كان تحريمها أشد، واستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن يفتى بجوازها، وبعدها أصبحت تُقدم مع ماء زمزم للحجيج. ومن اليمن ومصر إلى بلاد الشام ثم القسطنطينية، أخذت القهوة في الانتشار في العالم أجمع.
عذراء الصباح
أحد أجمل أوصاف القهوة ما أطلقه عليها الشاعر الراحل محمود درويش، عندما غازلها في كتابه “ذاكرة النسيان” قائلا: القهوة، لمن أدمنها مثلي هي مفتاحُ النهار، والقهوة، لمن يعرفها مثلي؛ هي أن تصنعها بيديّك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت، الفجرُ، أعنى فجري، نقيضُ الكلام.
وعنها أيضا يقول نزار قباني:
اشربي القهوة يا سيدتي
فالجميلات قضاء وقدر
والعيون الخضر والسود
قضاء وقدر.
كما تغنت بها أسمهان في أغنيتها الخالدة “يا مين يقول لي قهوة” التي لا تزال تصدح في أذان عشاقها في سائر بلدان العرب صباحا ومساء.
تعليقات
إرسال تعليق